عقب توقيع اتفاقية التجارة الحرة.. فرص جديدة في العلاقات التجارية بين تركيا وبريطانيا

عقب توقيع اتفاقية التجارة الحرة.. فرص جديدة في العلاقات التجارية بين تركيا وبريطانيا
نداء تركيا – ترجمة
انتهت مؤخراً عملية انفصـ.ـال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، التي بدأت عام 2016، باتفاقية التجارة بين الطرفين في الأيام الأخيرة من عام 2020 لتكتمل بانتقال سلس للغاية.
وبينما كان فتح الطريق أمام اتفاقيات تجارية محتملة تخطط بريطانيا للتوقيع عليها مع دول أخرى، يعتمد على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، كانت تركيا واحدة من الدول التي تنتظر هذا الاتفاق بفارغ الصبر.
وفور التوصل إلى اتفاق بين لندن وبروكسل، اجتمع ممثلو الحكومتين التركية والبريطانية ووقعوا اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين فتحت الطريق أمام فرص جديدة في التجارة بين تركيا وبريطانيا.

تاريخ العلاقات التجارية التركية البريطانية
قبل إجراء تقييم لاتفاقية التجارة الحرة بين تركيا والمملكة المتحدة، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على تاريخ العلاقات التجارية الثنائية ودينامياتها الأساسية.
تعود بداية العلاقات التجارية الثنائية إلى القرن الخامس عشر، حيث كان حجم التجارة بين الجانبين في تلك الفترة متوازناً نسبياً، لكن مع القرن التاسع عشر تغير هذا التوازن بسرعة لصالح بريطانيا.
ويعود هذا التغير إلى عدة أسباب أولها أن المملكة المتحدة أصبحت قـ.ـوة اسـ.ـتعـ.ـمارية منتشرة في جميع أنحاء العالم آنذاك.
ومن ناحية أخرى، قلل مخزون المواد الخام الذي تم جلبه إلى البلاد من مسـ.ـتعـ.ـمرات في آسيا وأفريقيا عن طريق السفن من اعتمادها على الخارج بشكل كبير.
إعلان الجمهورية أعاد التوازن للعلاقات التجارية
إضافة إلى ذلك، مكّنت المعادن الثمينة المنقولة إلى البلاد عن طريق السفن من تحقيق تراكم في رأس المال في لندن في وقت قصير.
أيضاً، لا ينبغي إغفال الامتيازات التي قدمتها الدولة العثمانية للملكة المتحدة بموجب معاهدة “بلطة ليمان” عام 1838 والتي لعبت دوراً مهماً في اختـ.ـلال التوازن في التجارة.
ووفقاً للأرقام الرسمية، تضاعفت صادرات المملكة المتحدة إلى الدولة العثمانية في غضون عشر سنوات فقط من الاتفاقية.
لكن، بدأ الخـ.ـلل التجاري المتزايد بين الطرفين يصبح أكثر توازناً مع إعلان الجمهورية وانتهاء التنـ.ـازلات الممنوحة لبريطانيا في وقت سابق.
الديناميات الحالية للتجارة التركية البريطانية
تطورت العلاقات التجارية الثنائية في المستقبل القريب مع دخول تركيا في الاتحاد الجمركي في عام 1995 في اتجاه جديد.
وعندما نلقي نظرة فاحصة على الديناميكيات الحالية للتجارة التركية البريطانية التي أخذت شكلها الحالي ابتداءً من تلك الأيام، نرى أن بريطانيا التي تعتبر سادس أكبر اقتصاد في العالم، مع ما يقرب من 3 تريليونات دولار من الناتج المحلي الإجمالي من بين أهم الشركاء التجاريين لتركيا.
وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، تحتـ.ـل بريطانيا المرتبة الثانية بين أكثر الدول التي تصدر لها تركيا، والتاسعة من حيث الدول التي تستورد منها.
أيضاً، تعد بريطانيا أحد الفاعلين الماليين الأساسيين في الاقتصاد التركي بمخزون استثماري يبلغ 11 مليار دولار.
مكانة تركيا في الاقتصاد البريطاني
في المقابل، وفقاً لمعطيات عام 2019، تحتـ.ـل تركيا المرتبة 16 من بين أكبر دول الاستيراد في بريطانيا، والـ 17 بين الدول الأكثر تصديراً إليها.
بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، سجل حجم التجارة بين البلدين في الأشهر العشرة الأولى 2020، 13.5 مليار دولار بالرغم من تأثير وبـ.ـاء كـ.ـورونا في الأسواق العالمية.
وفي إطار حجم التجارة هذا، تحقق فائض في التجارة الخارجية في 2020 كما في السنوات السابقة، تمثل في 9 مليارات صادرات تركية و4.5 واردات بريطانية إلى تركيا.
أخيراً، عندما ننظر إلى محتوى التجارة بين البلدين، تأتي السيارات وقطع الغيار والمعادن الثمينة والآلات والأجهزة الكهربائية في مقدمة الصادرات البريطانية إلى تركيا، بينما تحتـ.ـل الآلات والأحجار الكريمة والحديد والصلب المرتبة الأولى في صادرات تركيا إلى بريطانيا.
وبناءً على ذلك، نجد أن المنتجات الصناعية لها مكانة مهمة في التجارة الثنائية.
اتفاقية التجارة الحرة والفرص الجديدة
أرادت بريطانيا التي غـ.ـادرت الاتحاد الأوروبي اعتباراً من 31 يناير 2020، توقيع اتفاقية تجارية شاملة مع بروكسل قبل مغـ.ـادرة الاتحاد الجمركي في نهاية العام.
وفي حال تعـ.ـذر التوصل إلى اتفاق، فإن قواعد التجارة التي تحددها منظمة التجارة العالمية ستدخل حيز التنفيذ بين الطرفين، وسيؤدي الانفصـ.ـال دون اتفاق إلى مشـ.ـاكل خطيـ.ـرة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، المخـ.ـاطر ذاتها كانت سارية من أجل استمرار التجارة بين أنقرة ولندن.
والسبب في ذلك أن تركيا يمكنها القيام باتفاقيات التجارة التفضيلية مع الأطراف التي يتعامل معها الاتحاد الأوروبي بسبب الالتزامات الناشئة عن الاتحاد الجمركي.
وبإفادة أخرى، فإنه لا يمكن لتركيا توقيع اتفاقيات تجارية حرة أو ما يماثلها مع الدول التي لا يعقد معها الاتحاد الأوروبي الاتفاقيات ذاتها.
ماذا لو تعـ.ـذر اتفاق بريطانيا والاتحاد الأوروبي؟
وبناءً على ذلك كان على بريطانيا والاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق أولاً، من أجل الاستمرار في تثبيت الرسوم الجمركية في التجارة بين تركيا وبريطانيا.
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020، اتفقت لندن وبروكسل على اتفاقية تجارية شاملة، لتوقع تركيا وبريطانيا على اتفاقية تجارية على الفور.
وهكذا، استقرت العلاقات التجارية الثنائية على أساس قانوني جديد وتم تجنب الشـ.ـكوك المحتملة.
نتيجة لذلك وبموجب الاتفاقية، سيتمكن رجال الأعمال الأتراك والبريطانيون من مواصلة أعمالهم دون أي مشـ.ـاكل مع الرسوم الجمركية.
الاتفاقية التجارية التركية البريطانية التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 2020، حافظت على الأرباح التي قدمها الاتحاد الجمركي لكلا البلدين في السابق.
كما منعـ.ـت الخسـ.ـائر المالية التي كان من المحتمل نشوؤها في التجارة بين البلدين، ففي حال عدم توقيع تلك الاتفاقية، كانت 75% من صادرات تركيا إلى المملكة المتحدة ستواجه عبئـ.ـاً ضريبـ.ـياً يبلغ حوالي 2.5 مليار دولار من الخسـ.ـائر المالية، وبطبيعة الحال اختفت هذه المخـ.ـاطر مع دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ.
القطاعات التي تشملها الاتفاقية وأخرى محتملة
وبينما تغطي الاتفاقية ذات الصلة جميع المنتجات الصناعية والزراعية، فهي لا تتضمن قطاع الخدمات والاستثمار في الوقت الحالي على الأقل، كونها غير موجودة في اتفاق الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
لكن وحدة الرأي بين البلدين حول إدراج هذه القطاعات في الاتفاقية تعزز احتمال اتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه في المستقبل القريب، وفي حال تحقق هذا السيناريو فقـ.ـد يزيد إجمالي حجم التجارة بشكل أكبر.
من ناحية أخرى أدت اتفاقية التجارة الحرة إلى ظهور مجالات جديدة للتعاون بين البلدين، تأتي الصناعات الدفاعية في مقدمتها.
التعاون في مجال الصناعات الدفاعية
وفي هذا الصدد، إذا تم النظر إلى الخبرة العميقة الجذور التي تتمتع بها بريطانيا في هذا المجال، وكون تركيا عنصراً فاعلاً ومؤثراً في قطاع الطائرات المسيرة بشكل خاص، ومع أخذ متابعة الحكومة البريطانية التقدم في هذا القطاع عن كثب، يمكن القول أن هناك مجالاً واسعاً للتعاون في قطاع الدفاع.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى اتفاق للعمل بين شركة صناعات الفضاء التركية توساش، وشركة الدفاع البريطانية BAE Systems لتطوير طائرات حـ.ـربية خلال زيارة رئيسة الوزراء السابقة “تيريزا ماي” إلى تركيا عام 2017، إلا أن العمل لم يتحقق لأسباب مختلفة.
في الفترة القادمة، يمكن أن يحقق تعاون البلدين في قطاع الدفاع بشكل عام وفي المشاريع التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية مثل الطائرات المقـ.ـاتلة والطائرات بدون طيار على وجه الخصوص الفائدة لكلا الجانبين، وبالتالي يمكن أن ينوع حجم التجارة مع قطاعات جديدة.
مكاسب أخرى محتملة
يمكن للطرفين أيضاً تحقيق مكاسب كبيرة ليس فقط من خلال تجارة السلع بشكل متبادل، بل من خلال التعاون القائم على الاستثمار في مناطق جغرافية مختلفة.
فإذا اجتمعت خبرة المملكة المتحدة في الاستثمار وتمويل القروض، مع الخبرة التركية في الزراعة والصناعة التحويلية والنسيجية في مناطق واعدة مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، يمكن أن يمتد التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى مجالات مختلفة.
باختصار يمكن القول إن الإمكانيات العالية للتجارة الثنائية الموجودة منذ سنوات طويلة دخلت مرحلة التنفيذ بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة.
ومع أخذ الاستجابة الضعيفة لاتفاق الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للديناميكيات الحديثة نجد أن هذه الاتفاقية التي تم إعدادها وفق الظروف الحالية تخلق أرضية جديدة ستوفر مكاسب لكلا البلدين في الفترة المقبلة.